معلومات عن ناجي العلي والشخصيه العالميه (حنظله )
لقد أضاف رسام الكاريكاتير ناجي العلي إلي تاريخ الشخصيات التي تمثل علامة بحد ذاتها شخصية جديدة هي حنظلة الذي يقف على قدم المساواة مع شخصية المواطن الصغير التي خلقها تشارلي شابلن ، أو " روميو " الذي صوره شكسبير، أو " روبنسون كروزو " أو " دون كيخوت " لسرفانتس . وغير ذلك من الشخصيات التي أصبحت تجسد بحد ذاتها نموذجا دالا وعاما . ويكفي أن تنطق كلمة "روميو" ليعرف الجميع أن المقصود هو المحب الخيالي الرومانسي
أصبح روميو مفهوما إنسانيا مجردا . يكفي أن تنطق ذلك الاسم " روبنسون كروزو " ليدرك الجميع أنك تتحدث عن البطولة الفردية التي تخلق كل شيء اعتمادا على ذاتها في مواجهة الطبيعة أو المجتمع ، حسبك أن تقول " سي السيد " من ثلاثية نجيب محفوظ ليصل إلي المتلقي أنك تشير إلي مفهوم عام هو الاستبداد الشرقي .
هذه الشخصيات صارت مفاهيم عامة مجردة بفضل إحكام وعبقرية وجدة الخلق الفني وطابعه التعميمي الإنساني . الآن أيضا يكفي أن تقول حنظلة : إنه يعني كل الأحلام البريئة للبشرية بالوطن والسعادة ، أحلام الطفولة التي يجبرها العالم على أن تدير ظهرها إليه بغضب وعتاب لأنها لم تعد ترجو شيئا من العالم . حنظلة ذلك الخليط العجيب من الأمل واليأس ، والبراءة والإدراك ، والقنوط ، والرجاء .
لقد وصف شارلي شابلن كيف ظل لفترة طويلة يتخير ملابس شخصية المواطن الصغير ، وكيف بحث طويلا ليجد تلك الجاكتة الفضفاضة ، والسروال الضيق ، والحذاء بمقدمته العريضة .
ناجي العلي استطاع أن يجد لحنظلة ما يميزه كشخصية فنية لكي تتجاوز تلك الشخصية حدود الطفل الفلسطيني وحده وتصبح رمزا عالميا للطفولة التي تتشرد في الدنيا . خلق ناجي العلي شخصية حنظلة دون وجه ، ظهره للعالم . نحن لا نرى وجهه ، ولا دموعه ، ولا غضبه ، لكننا نحبه ونشفق عليه إلي درجة قد تفوق محبتنا لأطفالنا وإشفاقنا عليهم .
ويذكرني ذلك بما قام به المخرج فيكتور فلمنج في فيلم " ذهب مع الريح " عن رواية مارجريت ميتشيل . في الفيلم الذي ظهر عام 1939 تحل على البطل " رد باتلور " كارثة وفاة طفلته الوحيدة . والمألوف في هذه الحالات أن يرينا المخرج دموع الأب وعلامات الحزن القاتل على ملامحه . لكن المخرج فيكتور فليمنج على العكس من ذلك اعتبر أن أفضل وسيلة لنقل الأحزان لن تكون بإظهار وجه الوالد ، بل بإخفاء ذلك الوجه تماما . هكذا ما أن تموت الطفلة في الفيلم حتى يندفع الأب إلي غرفة منعزلة فلا نراه ولا نشاهد وجهه. نحن لا نرى وجهه، ولهذا تحديدا ينطلق خيالنا دون قيد لتصور مدى معاناة الوالد . إنه تخيل مفتوح بلا نهاية .
ووجه لا تشاهده – وتعلم أن صاحبه معذب – أقوى تأثيرا من أية دموع حقيقية تراها أمامك . هكذا أيضا خلق ناجي العلي شخصية حنظلة الصغير: متبرما، لا يثق في أحد ، ويعلم أن الدنيا كلها ظلمته ، ولا يحول قلبه عن فلسطين . خلق ناجي العلي حنظلة بلا وجه لكي يتخيل كل منا عذابه إلي المدى الذي يسمح به خياله .
كان لناجي العلي قبل اغتياله بفترة كاريكاتير يصور دبابة كاملة مصنوعة من الأحجار أراد أن يقول بها إن الحجارة سلاح الشعب الفلسطيني ودبابته . ولم تكن انتفاضة الحجارة قد بدأت بعد . انقضى شهران ثم اندلعت الانتفاضة التي شارك فيها عشرات الآلاف من أخوة حنظلة الصغار الذين يؤرقهم الشوق إلي الوطن والكرامة .
ومع مطلع كل عام دراسي جديد في فلسطين يعبر الصغار إلي مدارسهم وهم يواجهون نقاط التفتيش والحصار والمراقبة والنيران في أحيان كثيرة . ومع ذلك يواصلون طريقهم نحو العلم والمعرفة ، الطريق التي تحولت إلي إحدى أخطر الطرق في العالم . يمشي حنظلة معهم ، حقيبته على كتفه تفتش عيناه الصغيرتان عن درب وراء الأشجار والاحتلال بعد أن تيتم عام 1987 بوفاة والده ناجي العلي.
لعل حنظلة وحده يحيي في نفسه كل عام ذكرى رحيل والده : ناجي العلي الذي ولد عام 1936 في بيت الشجرة بمرتفعات الجليل ، ثم هجر من هناك وهو في العاشرة ، واستقر مع أسرته في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان . وفي الجنوب اعتقلته القوات الإسرائيلية وهو صبي لنشاطه ، فقضى أغلب وقته داخل الزنزانة يرسم على جدرانها . من تلك الزنزانة ، ومن طفولة جائعة مطاردة ، ومن أقمشة المخيمات ، ومن المقاومة ، خرج حنظلة ، لا وجه له ، ولا عينان ، ولا فم ، لكي نفكر إلي ما لانهاية : أي وجه يحمل هذا الطفل ؟ . هل مازال يحمل من علامات البراءة شيئا ؟ أم أننا سنرى – إذا ما التفت إلينا حنظلة – وجها مترفعا من شدة الظلم والكبرياء ؟ تحل ذكرى ناجي العلي في أغسطس من كل عام وينداح منها في الجو عطر
أصبح روميو مفهوما إنسانيا مجردا . يكفي أن تنطق ذلك الاسم " روبنسون كروزو " ليدرك الجميع أنك تتحدث عن البطولة الفردية التي تخلق كل شيء اعتمادا على ذاتها في مواجهة الطبيعة أو المجتمع ، حسبك أن تقول " سي السيد " من ثلاثية نجيب محفوظ ليصل إلي المتلقي أنك تشير إلي مفهوم عام هو الاستبداد الشرقي .
هذه الشخصيات صارت مفاهيم عامة مجردة بفضل إحكام وعبقرية وجدة الخلق الفني وطابعه التعميمي الإنساني . الآن أيضا يكفي أن تقول حنظلة : إنه يعني كل الأحلام البريئة للبشرية بالوطن والسعادة ، أحلام الطفولة التي يجبرها العالم على أن تدير ظهرها إليه بغضب وعتاب لأنها لم تعد ترجو شيئا من العالم . حنظلة ذلك الخليط العجيب من الأمل واليأس ، والبراءة والإدراك ، والقنوط ، والرجاء .
لقد وصف شارلي شابلن كيف ظل لفترة طويلة يتخير ملابس شخصية المواطن الصغير ، وكيف بحث طويلا ليجد تلك الجاكتة الفضفاضة ، والسروال الضيق ، والحذاء بمقدمته العريضة .
ناجي العلي استطاع أن يجد لحنظلة ما يميزه كشخصية فنية لكي تتجاوز تلك الشخصية حدود الطفل الفلسطيني وحده وتصبح رمزا عالميا للطفولة التي تتشرد في الدنيا . خلق ناجي العلي شخصية حنظلة دون وجه ، ظهره للعالم . نحن لا نرى وجهه ، ولا دموعه ، ولا غضبه ، لكننا نحبه ونشفق عليه إلي درجة قد تفوق محبتنا لأطفالنا وإشفاقنا عليهم .
ويذكرني ذلك بما قام به المخرج فيكتور فلمنج في فيلم " ذهب مع الريح " عن رواية مارجريت ميتشيل . في الفيلم الذي ظهر عام 1939 تحل على البطل " رد باتلور " كارثة وفاة طفلته الوحيدة . والمألوف في هذه الحالات أن يرينا المخرج دموع الأب وعلامات الحزن القاتل على ملامحه . لكن المخرج فيكتور فليمنج على العكس من ذلك اعتبر أن أفضل وسيلة لنقل الأحزان لن تكون بإظهار وجه الوالد ، بل بإخفاء ذلك الوجه تماما . هكذا ما أن تموت الطفلة في الفيلم حتى يندفع الأب إلي غرفة منعزلة فلا نراه ولا نشاهد وجهه. نحن لا نرى وجهه، ولهذا تحديدا ينطلق خيالنا دون قيد لتصور مدى معاناة الوالد . إنه تخيل مفتوح بلا نهاية .
ووجه لا تشاهده – وتعلم أن صاحبه معذب – أقوى تأثيرا من أية دموع حقيقية تراها أمامك . هكذا أيضا خلق ناجي العلي شخصية حنظلة الصغير: متبرما، لا يثق في أحد ، ويعلم أن الدنيا كلها ظلمته ، ولا يحول قلبه عن فلسطين . خلق ناجي العلي حنظلة بلا وجه لكي يتخيل كل منا عذابه إلي المدى الذي يسمح به خياله .
كان لناجي العلي قبل اغتياله بفترة كاريكاتير يصور دبابة كاملة مصنوعة من الأحجار أراد أن يقول بها إن الحجارة سلاح الشعب الفلسطيني ودبابته . ولم تكن انتفاضة الحجارة قد بدأت بعد . انقضى شهران ثم اندلعت الانتفاضة التي شارك فيها عشرات الآلاف من أخوة حنظلة الصغار الذين يؤرقهم الشوق إلي الوطن والكرامة .
ومع مطلع كل عام دراسي جديد في فلسطين يعبر الصغار إلي مدارسهم وهم يواجهون نقاط التفتيش والحصار والمراقبة والنيران في أحيان كثيرة . ومع ذلك يواصلون طريقهم نحو العلم والمعرفة ، الطريق التي تحولت إلي إحدى أخطر الطرق في العالم . يمشي حنظلة معهم ، حقيبته على كتفه تفتش عيناه الصغيرتان عن درب وراء الأشجار والاحتلال بعد أن تيتم عام 1987 بوفاة والده ناجي العلي.
لعل حنظلة وحده يحيي في نفسه كل عام ذكرى رحيل والده : ناجي العلي الذي ولد عام 1936 في بيت الشجرة بمرتفعات الجليل ، ثم هجر من هناك وهو في العاشرة ، واستقر مع أسرته في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان . وفي الجنوب اعتقلته القوات الإسرائيلية وهو صبي لنشاطه ، فقضى أغلب وقته داخل الزنزانة يرسم على جدرانها . من تلك الزنزانة ، ومن طفولة جائعة مطاردة ، ومن أقمشة المخيمات ، ومن المقاومة ، خرج حنظلة ، لا وجه له ، ولا عينان ، ولا فم ، لكي نفكر إلي ما لانهاية : أي وجه يحمل هذا الطفل ؟ . هل مازال يحمل من علامات البراءة شيئا ؟ أم أننا سنرى – إذا ما التفت إلينا حنظلة – وجها مترفعا من شدة الظلم والكبرياء ؟ تحل ذكرى ناجي العلي في أغسطس من كل عام وينداح منها في الجو عطر
0 التعليقات:
إرسال تعليق
تذكر قول الله
( وما يلفظ من قول الا لديه رقيبا عتيد )
ويسعدني ابداء رأيك في مواضيع مدونتي